حين تصبح الذاكرة ظلا" ثقيلا"
كل منا يملك في ذاكرته صور أحداث مرت في حياته ، وكلما تقادم بنا الزمن ازدادت الذاكرة ثراء" 0
ويتفاوت الناس في أهمية صور ذاكرتهم ، فمنهم من تكون ذاكرته ممتلئة بأحداث فردية خاصة لا يتجاوز تأثيرها عالمه الضيق ومنهم من يمتلك ذاكرة شخصية هي ذاكرة وطن لما له من موقع في الحياة السياسية والثقافية 0
ومن الصعب أن نمنع أحدا" من أن يحول ذاكرته إلى حديث يسرده أمام الآخرين وخاصة" ذلك الصنف من الناس الذي لم يعد لوجوده من معنى إلا فيما يختزنه من ذكريات فيحول ذكرياته إلى وسيلة تأكيد الذات وحضورها ومن أجل أن يزيد من حضورها يغنيها بخيال خصب 0
والناس يقبلون على قراءة مذكرات النخب المهمة سواء" كانوا متعاطفين معها أم كارهين لها ، ففيها قد يجدون أجوبة على أسئلة تحيرهم أو يستمتعون بالنص أو يستفيدون عبرة من هنا وعبرة من هناك ، عند هذا الحد يكون الأمر طبيعيا" 0
الأستاذ فادي كان مهندسا" معماريا" في إحدى الشركات الخاصة كل من يجلس معه يجبره على سماع ذكرياته الشخصية ويسرد له أسماء لا قيمة لها ولا يعرف عنها شيئا" وحوادث لا تعني الطرف الآخر من بعيد أو قريب وبطولات قام بها وأقوالا" تفوه بها كانت حاسمة فيتخيل المستمع وضعه المأساوي وهو بكل لطف لا يريد أن يجرحه ويستمع إليه وهو لا يتوقف لأخذ شهيق أو زفير 0
وأثقل الظلال عندما يتحدث عن حالة سلطة محدودة تبوأها لا رابط لها بأحداث الوطن ولم يمكث فيها إلا بضع سنين تجاوز عددها عدد أصابع اليد ، فيتحدث عما قاله في الاجتماع وكيف رد على فلانا" الذي لا يدري المستمع عنه شيئا" وكيف تحدى فلانا" وكيف أفحم آخر وكيف أحب شابة رشيقة وكيف هجرها ، وعن زملائه الذين التقى بهم في الطريق إلى المكتب وزارهم في المساء وعن اللفيف الذي كان حوله وكيف تجرأ ونقد من كان في موقع أهم من موقعه وهكذا 0000000
وهو يمج سيجارته ويتحدث ثم يشعل أخرى وكأن المستمع آلة لتسجيل ما يتفوه به هذا المهندس العظيم 0
لا شك أن الذكريات جميلة ولكنها جميلة بالنسبة لصاحبها فقط أو هي لامعة في سردها إذا كان السرد بين صديقين حميمين نسجا ذكرياتهما معا" ويستعيدانها بنوع من الحنين 0
أما الذكريات الأخرى لا تعنينا فمالنا ومالها 000